خلال الأيام الماضية، أثارت لاعبة المبارزة المصرية الطبيبة ندى حافظ، كثيراً من الجدل بعدما أعلنت أنها شاركت في المنافسات الأوليمبية في باريس 2024 وهي حامل في الشهر السابع. فتح هذا الخبر اللافت نقاشاً واسعاً خلال الأيام الماضية في قضية الحمل والرياضة بوجه عام، لا سيما الرياضات التنافسية، ولم يقتصر هذا الجدل على جمهور الرياضة فحسب، إنما أثار اهتمام الأطباء والرياضيين وعامة الناس.
لا نريد في هذه المساحة مناقشة مسألة اللاعبة ندى حافظ واختيارها الشخصي، إنما نستغل حالة الاهتمام العامة بهذه القضية، وتبيين حدود ما يمكن أن تمارسه الأم الحامل من مجهود بدني بوجه عام، والرياضات التنافسية بوجه خاص، وفقاً للأدلة العلمية الطبية المتوفرة.
هناك حالات مرضية محددة أثناء الحمل هي التي ينصح فيها الطبيب ابتداء بالتزام الراحة التامة معظم الوقت للأم، من أبرزها حدوث نزيف في الشهور الأولى من الحمل أو وجود تقلصات قوية غير طبيعية في الرحم، مما قد يعني وجود الإجهاض المنذر، الذي قد يتسبب المجهود البدني العادي في تفاقمه إلى سقوط الجنين، وكذلك حدوث النزيف في الأشهر المتأخرة للحمل، مما ينذر بولادة مبكرة قبل الأوان، أو وجود درجة من الانفصال المشيمي أو المشيمة النازفة... إلخ.
إذاً، فأولاً وآخراً أثناء المتابعة الدورية للحمل، يجب تنسيق خطة المجهود البدني، سواء المعتاد أو الرياضي، مع طبيب أمراض النساء والولادة المتابع لكل حالة، الذي سيستبعد بالكشف الطبي وبالأشعة التلفزيونية وجود الحالات المرضية التي تمنع هذا ابتداء.
في المجمل، ممارسة الرياضة المعتدلة كالمشي أو الجري... إلخ ليس فقط من المسموح به أثناء الحمل في كافة مراحله، بل من المستحب للغاية، ولا نبالغ إن قلنا الواجب. فالحمل يزيد نسبياً من معدلات تجلط الدم، وإذا ركنت الأم الحامل للراحة في السرير من دون داع طبي، فإنها تصبح أكثر عرضة للإصابة بالجلطات الوريدية العميقة في أوردة الساقين والحوض، التي قد تسبب انجلاط الشريان الرئوي، وهو من الحالات الطبية الشديدة الخطورة وقد يسبب فشل وظائف القلب والوفاة.
الحامل التي تمارس الرياضة المعتدلة تكون هي وجنينها أصح بدنياً ونفسياً، وأبعد احتمالاً عن الإصابة بارتفاع ضغط الدم وسكر الدم أثناء الحمل، وكذلك أمراض القلب، وأعلى فرصة أن تلد ولادة طبيعية دون منغصات. والحد الأدنى المطلوب طبياً هو المشي بخطوة سريعة 150 دقيقة أسبوعياً على الأقل مقسمة على خمسة أيام (نصف ساعة يومياً). وفي حالة عدم الاعتياد على الرياضة قبل الحمل، يجب البدء تدريجياً ولو بدقائق معدودة في البداية.
من البديهي أن هناك رياضات تمثل خطورة على الأم الحامل مهما كانت قوتها البدنية، مثل الرياضات العنيفة بكل أنواعها، التي قد تتضمن توجيه ضربات إلى البطن، والرياضات التي قد تتسبب في السقوط أرضاً بعنف، أو التي تحتاج إلى التحام بدني مثل كرة اليد مثلاً... إلخ؛ إذ قد تسبب وفاة الأم والجنين لا قدر الله إذا حدث انفجار كلي أو جزئي لجدار الرحم أو انفصال في المشيمة ونزيف حاد، أو أية إصابة بدنية كبيرة قد تحتاج إلى إجراء أشعة تمثل خطورة على الجنين، مثل الأشعة المقطعية، أو الحاجة لإجراء عمليات جراحية. لكن عندما نتحدث عن رياضات أخرى تنافسية يمكن من جهة المبدأ أن تمارسها الأم الحامل، لأنها لا تحمل أوجه الخطورة السابقة، مثل رياضة المبارزة أو الرماية... إلخ.
الدراسات الطبية العلمية المتاحة حتى الآن لا تحسم بشكل قطعي مدى سلامة أو خطورة الرياضات التنافسية على الأم الحامل، وأظهر بعضها تبايناً كبيراً في مسار كل لاعبة حسب نوع اللعبة وشكل الدعم المادي والأسري لها وحالتها الصحية. وأكدت دراسة منشورة العام الماضي 2023 في دورية «سبرنجر» العلمية المرموقة أنه على رغم الحسم بأن الرياضة المعتدلة مفيدة للحامل، لكن لا يمكن الحسم بشكل وحدود التأثير المتبادل بين التغيرات الهرمونية أثناء الحمل وبذل المجهود البدني الكبير، نتيجة التعقيد الكبير للتغيرات التي يسببها الحمل.
ولذا فالقرار هنا سيكون فردياً، وفقاً لمعطيات كل حالة، ووضعيتها الصحية، ومسار الحمل، ورأي الأطباء المتابعين، وتحت إشراف مدربين محترفين على دراية بخصوصية اللاعبة الحامل بدنياً ونفسياً.
وهناك نصائح عامة قصيرة تؤكد عليها الهيئة الصحية البريطانية NHS لتكون الرياضة أكثر أماناً:
يجب أولاً وآخراً ضمان السلامة البدنية للأم الحامل وطفلها، ليس فقط أثناء المنافسات، بل الأهم أثناء التدريبات؛ فبعض الألعاب تكون حصصها التدريبية أشد إرهاقاً للجسم من ممارسة الرياضة نفسها. ويجب ألا تضغط الأم الحامل نفسها جسدياً أو بدنياً إذا شعرت أن أداءها ليس مثل معدلات قبل الحمل، فهذا فطري وطبيعي، ويجب التأقلم معه وليس محاولة تخطيه بالتعرض لمزيد من الإجهاد البدني.
ويجب الالتفات أكثر وأكثر للتغذية الجيدة، فالحفاظ على الوزن التنافسي بإنقاص الطعام قد يسبب مضاعفات كبيرة للجنين؛ إذ تخشى بعض اللاعبات زيادة الوزن في بعض الألعاب التي تكون منافساتها مقسمة وفقاً للوزن، إذ لو زادت اللاعبة عن ميزانها المسجل، قد تحرم من المنافسات، أو تنتقل للمنافسة في ميزان أعلى وأصعب.
هناك جانب آخر مهم يتعلق بالرياضات التنافسية والحمل، وهو الحالة النفسية والمزاجية للأم الحامل أثناء الممارسة الرياضية، فالضغط النفسي الكبير قد تكون له آثار خطيرة على صحتها وصحة طفلها، فالإفراز الزائد لهرمونات التوتر أثناء تلك المنافسات كالأدرينالين والنور-أدرينالين والكورتيزون يسبب ارتفاع ضغط الدم، الذي قد يمثل خطورة على حياة الأم والطفل إذا تفاقم إلى حدوث ما يعرف بتسمم الحمل أو الـ Pre-eclampsia، التي قد تُسبِّب تضرر الكليتين والتشنجات والولادة المبكرة.
كذلك يتسبب الضغط النفسي في اضطرابات في النوم والشهية، مما قد يؤثر على نمو الجنين وانخفاض وزنه عن المعدلات الطبيعية. كما يزيد الضغط النفسي والعصبي فرص حدوث ما يُعرف بالطلق المبكر، الذي قد يتسبب في الولادة قبل الأوان واحتياج الجنين إلى دخول الحاضنة لأيام أو لأسابيع، وهناك عشرات المضاعفات الصحية التي يتعرض لها المولود قبل الأوان.
لذا، فمن تصر على مواصلة الرياضة التنافسية أثناء الحمل، يجب أن تهتم بالجانب النفسي، وما يؤثر فيه ويتأثر به من نظام الطعام وساعات النوم ومقدار المجهود البدني في التدريبات وفي المنافسات، والدعم الأسري والاجتماعي. ويجب على الأم الحامل أن تتصالح نفسياً وذهنياً مع أنها لو قدمت صحتها وصحة جنينها على الرياضة، إذا تعذّر الجمع بينهما بشكل متوازن، فهذا هو الاختيار الفطري الإنساني السليم ولا تعاتب نفسها أو تنساق إلى جلد الذات في هذا أو الإحساس بالفشل، فهذا قد يعرضها للإصابة بالاكتئاب. كذلك يجب أن تتصالح مع أنه بعد الولادة، العودة لمستواها السابق قبل الحمل سيحتاج إلى وقت أطول، وبذل جهد أكبر.